Friday, February 12, 2010

قالوا لي تحدث عن بلدك





قالوا لي تحدث عن بلدك..قلت إذا تحدثت عن بلدي تحدثت عن مدينتي..عدن ..وإذا تحدثت عن عدن.. فأني
سأتحدث عن منطقتي التي ولدت فيها ..المنصورة..وعندما أتحدث عن المنصورة كمنطقة ..فأني لا اجد ما أكتبة
حقيقة.. فالمنصورة ليس فيها جسور معلقة أو مباني شاهقة أو حتى حدائق رائعة أستطيع أن أسهب في الكتابة
عنها وربما بضعة كلمات أو اسطر تكفي لوصف المنصورة.
ولكني سأتحدث عن شيء آخر سأتحدث عن سكانها أو بالا حرى "ناسها"
إنهم أناس يبعثون على الدهشة ..أحيانا وبالإعجاب أحيانا كثيرة ..أناس لا يميزهم شيء سوى فقرهم الشديد
وبساطتهم الأشد..وأكثر ما يشدك إليهم هو نكاتهم اللاذعة وسخريتهم –تقريبا- من كل شيء..
سخروا من غلاء الأسعار .. من الراتب الذي يحتاج غرفة إنعاش..من التيار الكهربائي الذي يغيب
ساعات..سخروا من كل شيء حتى مصائبهم..ألقوا النكات حتى على فقرهم الذي كان كالحبل يطوق رقابهم يوما
بعد يوم..تنظر إلى وجوههم فتجد انه رغم ما رسمت الحياة على وجوههم من شقاء ..أن الابتسامة تجد طريقها
دائما إلى شفاهم ..وهم قوم عجيبون بحق!..يجدون السعادة في أشياء غريبة وعجيبة ..أشياء لا يعرفها الناس أو
نسوها فتركوها مرمية على قارعة الزمن .


تجد (الشيبة) وهو يجلس بجانب بيتة على كرسية الخشبي ممسكا بيدة كوب الشاي (الحليب) و بيدة الأخرى يحاول
ضبط الراديو على محطة ما..فجأة تجد عيناة تلمع و ارتفع حاجباه الأبيضان إذ ينبعث الصوت من محطة الراديو
أغنية قديمة "من أيام زمان" فتراه يهز رأسه الأصلع طربا وهو يتمتم بكلمات الأغنية محاولا تذكرها.. فترى
وجهة يشرق .. وابتسامة نشوة تعلو شفاهه ..يا ترى هل هي الأغنية ؟ أم شيء أخر يحاول تذكرة؟


"ويا سلام" على "العاقل" يوم الراتب الهزيل يذهب عند الجزار فيأخذ كيلو لحمة يعود بها على ام العيال والعيال..
فيكون غداء" دسما" .. ويظل "العاقل" طوال اليوم- شاعرا بالفخر- يحكي ويتحاكى كيف أستطاع أن يكشف
الجزار المحتال الذي أراد أن يبيعه "لحمة فاسدة" ولكنة بذكائه – أي "العاقل" – كشفة وأخذ اللحمة الجيدة..
وربما أخبرك "العاقل" تلك القصة عدة مرات – وهو يتلذذ بسيجارة وكوب شاي- وفي كل مرة قصة
مختلفة ..فتضحك من كل قلبك على "الجزار الغشاش".. وتشهد "للعاقل" على ذكائه – عن طيب خاطر.


وفي ليالي الصيف الهادئة والتيار الكهربائي منقطع – كعادته- ستجدهم هناك.. كل "العقال" وكل الشباب
.. مجتمعين في ذلك الركن المظلم من "الحافة" .. والأطفال حولهم يلعبون "غميضان"..
وعلى ضوء القمر..يتسامرون..ويتذكرون زمان وأيام زمان..فين كانوا ..وفين كنا..
وتسمع أخبار عن السياسة ..لا يعلم بها أحد .."ولا حتى في الجزيرة!"..."والنامس" شغَال نهش في أيدي ورقاب الجماعة..
لكنك تتمنى الجلسة تطول.. والتيار لا يرجع..


عجيبين أهل المنصورة ...صنعوا من بؤسهم خيمة ...قعدوا جميعا يتسامرون داخلها ..ويلقون النكات...
بانتظار الفرج.


الأحد 2006\9\24

3 comments:

  1. واووو كتيييير حلو , والله انو شوي واطلب اروح على المنصورة من قد ما كان كلامك طالع من القلب ... ووصل للقلب مباشرة

    ReplyDelete
  2. ابسط حياة .. لا أرى أجمل منها :)

    ReplyDelete
  3. فعلا كلام من القلب بدون تزييف او تزيين ......حلاوة الحياة البسيطة الصادقة ....

    ReplyDelete